
بلقيس عماد
مرَت بالأمس ذكرى مولد صفاء السراي الثانية التي لم يكن حاضراً فيها، لأن عبوة مسيلة للرأس أطلقها عليه مجهولٌ لايعلمهُ غير حصى الأرض و اربعين مليون عراقي وربما أكثر-لكنه مجهولٌ حتى الآن- غيبته عنا جميعاً وعن العراق بصورة خاصة جداً، في تلك الساعة من ال٢٧ من تشرين ٢٠١٩ لم يكن معظمنا يعرف من هو صفاء، لكنه كان يعرفنا كُلنا، يكتب عنا، يحتج وحيداً في التحرير لأجلنا إن تطلب الأمر، ينظم الشعر والقصائد في لحظة استراحتهِ من حملِ صناديق الببسي على ظهره النحيل.
بالعودة الى وجه صفاء..
لم نأخذ وقتاً طويلاً حتى ادركنا فداحة الفاجعة، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تفور وتغلي حين دار فيها خبر إصابته، ما دفعني ودفع عشرات الالف مثلي لمعرفة وجه صفاء.
حين دخلت صفحتهُ الشخصية على فيس بوك -أُغلقت الصفحة فيما بعد- كان قد فارقَ الحياة ليلتها، لم أنمْ و أنا اتفحص وجهه ذات اليمينِ و ذات الشمال، صوتهُ، الطريقةُ التي تشربهُ فيها السكائر وتمتص حزنهُ الثقيل ولو لبضع لحظات، صورهُ مع ثنوة وحكاياتهُ عن عِراق نظيف جميلٍ حلو لا يحبهُ احد كما يفعل صفاء.
أرددُ مع جمال كريم ودموعي تحفر طريقاً من الحزن في وجهي كأن الذي مات العراق
متأخرين يا وسفه عرفناك
مو صورة نريد البوم وياك
متأخرين
كان وجهُ صفاء الذي ألهم صحيفة نيويورك تايمز أن ترسمهُ بشكل حمامة، وتصنفهُ الصحف العالمية ضمن أكثر الشخصيات تأثيراً في الاحتجاجات حول العالم، ثم توالت التغطيات العالمية حول موتهِ الأثير و بسرعة خاطفة تحول وجهه الملفوح بالشمس وبالعراق الى رمزٍ لأكبر مظاهرة احتجاجية و ثورة لم يوّدون شيء مثلها بعد على أرضنا.
نعم..لتشرين رأسٌ وقادة
إستفاق تُجار الموت الأسود في حكومة القناص عادل عبد المهدي على صفعة جديدة، هي الأعنف حتى الآن، ففي أثناء قتلهم المحموم لشباب العراق في مُختلف الساحات، كانو يبحثون عن قادة هذا الإحتجاج، و لفرط توحشهم قتلوا أكثر من ٣٠٠ شاب عراقي في أقل من شهر حتى لحظة موت القائد والذي لم يكن يعرف وهو بين إخوته و أخواته في التحرير أنه سيكون قائدً لهذه الجموع البشرية.
حَسمت الساحات جميعها الموقف سريعاً، مات القائد الذي نصبناه ونحن نلبسهُ الكفن، و بموتهِ نُعلن أننا جميعاً قادة الحِراك سنكون صفاء، وسيقودنا من تحت الثرى ونقودهُ حيث العراق الوطن الذي يريده و نريد.
دَخلت فصائل الموت إنذارها الاقصى، و تأهب القناصة على سطوح المباني و أتُخذت كل قرارات القمع الوحشي، و صدرت الأوامر لجموع الجيوش الالكترونية بالاقتصاص من أي شيء يشبه صفاء أو لا يشبهه، فكانت المجزرة، التي لن يمحوا عارها شيء، مئات القتلى و الالاف من الجرحى و عشرات المخطوفين والمغيبين، بتهمة صفاء ومن يشبههُ والعراق.
صوتٌ يُحرر روحنا و يهيجُ فينا العاصفة..
اذا أردنا حساب عدد المرات التي خرب بها “مجهولون” قبر صفاء فا هي تتجاوز الاربع مرات خلال سنتين ونصف، في كُل مرة يعود قبر الفتى البهي أجمل بفضل الشباب الذين يسارعون لتجديدهِ وتجديد عهودهم معهُ، أما المبالغ التي صُرفت للقنوات المحورية و الجيوش الالكترونية لتشويه سمعة صفاء فهي كثيرة جداً بائت كلها بالفشل الذريع البائس، ككل شيء يفعلونهُ.
صورة صفاء وكلماته لازلت تُسمع في هتافات المحتجين “سّيما في ساحة التحرير”، على واجهات المحلات، بين دفاتر الطالبات، في قلوب الثائرين.
طريقاً واضحاً خُط بالشمس و الحرية باقٍ كما بقي العِراق.
ملاحظة:
صادف ميلاد صفاء السراي مع أربعينية مظفر النواب
وبين للإثنين من التاريخ الى المستقبل حبٌ وعتاب.
Discussion about this post