
الدكتور نصير غدير
لا تستقيم الحضارة، بالمنجز العلمي وحده أبداً، ولا تستقيم بنهوضِ أمةٍ على حساب اندحار أمة، فهذه نزعة شوفينية قاتلة للهوية الموحدة للبشرية، وهي الهوية الإنسانية، فما قيمة أن يتنعم الإنسان في بقعة ما من العالم بأحدث صرعات العلم التي توفر له المتعة والراحة والرفاه، على حساب سرقة أثمانها من شعوب كاملة، أرزحها تحت طائلة الفقر والمرض والضعف والجوع والتهجير والجهل والفشل، ليحتكر التفوق لنفسه، ثم يدعي خدمته للإنسانية؟!
هذا الشكل من التفوق الحضاري الجزئي للإنسانية هو تفوق زائف ومشوه، والتفوق الحقيق يجب أن يكون تكاملياً بمنح المساواة لكل أفراد البشرية، وتمكين المستضعف منهم، هنا يظهر بصورة شبحية كيف تقف الأمم المتطورة، ولا أقول المتحضرة، عائقاً أمام الحضارة الكلية لبني البشر على هذه الأرض.
ربما كان الانعزال وبطء وسائل التواصل بين الدول هو ما يسوغ النزعة الأحادية للأمم في الهيمنة على التقدم الحضاري للعالم عبر كل عصر بنهوضها الذاتي، وتدمير الآخر، فكانت أسرع طرق البريد والنقل هي البغال والحمير والخيل والجمال، والسفن الشراعية عبر البحار، ولكن باكتشاف الماكنة البخارية ثم التليغراف، صار العالم أكثر تواشجاً وتراصاً، ثم بمجيء النفط، انضغطت هذه الأمم ببعضها، حتى وصلنا إلى أن أصبحنا قرية بل غرفة صغيرة، بشيوع منتج الغرف الرقمية، فالتواصل الافتراضي ضغط الأمة البشرية في بوتقة واحدة، لكن تشرذمها الجغرافي، ما يزال عائقاً، وتشرذمها الطبقي ما يزال قاتلاً لكل نهضة، ولا سيَّما التباعد الحاصل بسبب ترسخ مفاهيم الهيمنة التقليدية عبر آلاف السنين من اصطراع الأمم الدموي من أجل التفوق.
بانصهار الأمم الافتراضي هذا لم يعد من مسوغ لإبقاء قيم الاصطراع التاريخية المستهلكة، نفسها، ومع هذا فهذه ليست دعوة لتوحيد العالم في دولة واحدة، أبداً، وليست دعوة لتذويب الهويات الثقافية للأمم، بل محاولة لتفكيك تحولات وثوابت القيم الحضارية لتوفير الفرص العادلة للجميع لاستغلال الموارد، من أجل السلام والرفاه والعدالة للبشرية.
وهذه الدعوة لا تمحو المكاسب الجيواقتصادية للأمم، بقدر ما تستثمرها لنفع أهلها ومحيطها العالمي، ولتفسير العمق التاريخي للأدوار السياسية التي لعبتها الأمم المحورية في الحضارات التي هيمنت على العالم في العصور المتعاقبة.
لننطلق إلى فحص الفكرة من العراق وموقعه، فالعراق ومنذ قرن وربع يكاد يكون المرتكز المحوري لاصطراعات الهيمنة الحضارية والعسكرية والاقتصادية في العالم الحديث، حيث تبدأ القصة من تسعينيات القرن التاسع عشر.
تكاثرت الدراسات الأوربية التي تؤكد أن اكتشاف النفط في وادي النهرين، ومشروع ألمانيا القيصرية والسلطنة العثمانية بربط الخليج ببرلين عبر قطار بغداد برلين السريع، هو أحد أهم الأسباب وراء الحرب العالمية الأولى، فقد قاد القيصر فيلهلم الثاني نهضة تطور صناعي واقتصادي هائلة في ألمانيا، منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، جعلته يتفوق على جارته بريطانيا التي برغم احتلالها لمساحات هائلة من أمم الأرض بدأت تشعر بالعجز الاقتصادي مطلع القرن العشرين مع تحول نظم الصناعة والنقل من الفحم إلى النفط، النفط الذي جاء في الأصل ليربط العالم جغرافياً كما ربط التليغراف العالم افتراضياً، وصار فيلهلم يحاول حرق النفط وقوداً للربط ليحصل على النفط وقوداً للطاقة الصناعية والانتاجية، مما أقلق وزارة المستعمرات البريطانية وفيالقها البحرية والبرية، فدخلت في تنافس محموم على تطوير الآلة العسكرية، ولا سيما أن أميركا الناهضة صاروخياً كانت مهتمة بالتنمية الداخلية، ومعالجة جراحات الحرب الأهلية التي خرجت منها قبل مدة ليست بعيدة، فلم تكن معنية آنذاك بالتنافس على الهيمنة، وكانت تنتظر ما ينجم عنه هذا التنافس.
في أكتوبر 1898 زار فيلهلم الثاني عبد الحميد الثاني في أسطنبول، وعقد معه اتفاقيات ستراتيجية وتحالفات عسكرية واقتصادية، ومن بينها تكفُّله ببناء سكة حديد بغداد برلين التي تربط سواحل البصرة والكويت ببرلين عبر القطار السريع، هذا كان سيربط كنوز المحيط الهندي بقلب أوربا، عبر الإطلالة العميقة للعراق على المحيط، وهذا كان سيجمع العالم جغرافياً بعد أن اجتمع افتراضياً، لكنه كان سيضرب بصورة هائلة مشروع ربط الحضارات عبر قناة السويس التي كانت قد افتتحت قبل ثلاث سنوات، فهو ضربة لفرنسا، وشريكتها اللدودة بريطانيا، هنا يظهر أن محاولات الربط تتحول إلى محاولات فصل إذا اتخذت طابع الصراع على الهيمنة، وإذا اتخذت طابع الأنانية القومية.
كرد فعل، استولت بريطانيا على الكويت ووقعت معاهدة مع أميرها عام 1899، وفصلتها عن البصرة، في محاولة لقطع العراق عن مياهه العميقة وإفشال المشروع، لكن الشروع العملي من الألمان سنة 1903 ببناء السكك الحديد، أوضح أن العراق ما يزال يمتلك إطلالات عميقة فاعلة على البحر، في خوري عبد الله والزبير والفاو، مما مهد لاحقاً لرغبة بريطانيا باحتلال العراق، ولهذا صار كثير من الباحثين في التاريخ الأوربي الحديث ولا سيما المتأخرين منهم، يؤكد على أن العراق ونفطه وقطاره كانا من أهم أسباب الحرب العامة.
لم تكتفِ بريطانيا، بفصل الكويت واحتلال العراق سنة 1914-1917، بل وضعت خطة مع حليفتها فرنسا لتقسيم العراق وسوريا، فحددت العراق بالسهل الرسوبي، وهضبة ديالى، واقتطعت البادية من المثنى إلى الجزيرة الشمالية، فضلاً عن كوردستان كلها لتكون إقليماً تحت الإدارة غير المباشرة، وجعلت المساحات المتاخمة لهذا الإقليم من نجد والحجاز وشرق الأردن تحت إدارتها غير المباشرة أيضاً وما تاخمها شمالاً من سوريا، بالحال نفسه تحت الإدارة غير المباشرة لفرنسا، وقفلت هذين الإقليمين في الزاوية المغلقة بين العقبة والمتوسط، وهي فلسطين لتختلق دولة إسرائيل، والهدف هو تحقيق التقسيم، في حال لم تتمكن من منع إلحاق الكويت بالعراق، لأي أسباب عسكرية أو جيوسياسية قادمة، وهذا سيضمن لها منع إكمال مشروع السكك، لاحظوا أن الإقليمين هما الامتداد الشرقي لإسرائيل الكبرى من الفرات، وأن امتدادها غرباً نحو النيل سيجعل السويس كلياً ضمن خارطتها، وبهذا تضمن بريطانيا وحلفاؤها سيطرة تامة على الطريق الجاف، وعلى الطريق البحري.
نجحت بريطانيا وفرنسا وبلدان أوربية أخرى، بفرض منع امتداد الأجزاء الشمالية والغربية من القطار على أتاتورك في معاهدة لوزان 1923، فاكتملت أركان خطتها للتفتيت، وهي الكويت في الجنوب، وإسرائيل في الوسط، ومعاهدة لوزان في الشمال.
قبل ذلك مهدت بريطانيا لغزو العراق، عبر إعلان الكويت محمية بريطانية سنة 1913، ثم في سنة 1922، أقام بيرسي كوكس مؤتمر العقير بين الكويت ونجد والعراق، ورسم حدود الكويت مع العراق ونجد بيده بالقلم الأحمر ضاماً خور عبد الله للكويت، هذا وحده دليل على أن بريطانيا كانت تسعى لقطع العراق من المياه العميقة، والحاكم العسكري للعراق بنفسه يقتطع من العراق ويضيف للمحمية البريطانية، وحين طالب العراق باسترداد الكويت سنة 1938، بعد اكتشاف النفط في الإمارات، ردت بريطانيا، بأن الكويت والإمارات في جنوبها لم تكن يوماً من ضمن العراق، ولا تابعة للسلطنة العثمانية، في استهتار واضح بكل التاريخ السياسي، وفي تناقض مع خارطة سايكس بيكو التي رسمتها بنفسها مع فرنسا، وكانت تضم الكويت وهذه الإمارات في ذيل السهل الرسوبي، وهو الذي يشار إليه في الخارطة باسم العراق العربي.
ومع كل هذا الاصطراع الدموي في الحرب العامة، لم تفلح بريطانيا، بالحفاظ على مقامها، في إدارة العالم والهيمنة عليه، فقد اضطرت بريطانيا تحت ضربات المحور أن تتنازل عن موقعها للقوة الناهضة الجديدة، وهي مستعمرتها السابقة أمريكا، ولأن البريطانيين عليمون بسيرورة التاريخ، وافقوا على مضض ودون ممانعة معلنة على تسليم القياد لقائد ركب الحضارة الجديد راضين بالبقاء في قمة هرم الانتفاع من الموارد بالدرجة الثانية، وهذا ما جعلهم يستقتلون في محاربة القوة المنافسة لأمريكا على الهيمنة، وهي الاتحاد السوفييتي، فتسليم قياد الهيمنة لعنصر شرقي كان سيعني فقدان بريطانيا كل امتيازاتها كقوة هيمنة شريكة.
وهكذا شاركت بريطانيا هيمنتها على نفط العراق مع أمريكا في شركة النفط الوطنية، فالنفط والطريق كانا وما زالا ركني المعادلة في هيمنة بريطانيا وأمريكا في العراق، وهذا واضح في ثلاث حوادث تربط الكويت بالنفط في تاريخ العراق، الأولى وهي ما ذكرناه من مطالبة العراق بالكويت عام 1938 مع اكتشاف النفط في الإمارات، والثانية عزم عبد الكريم قاسم على استرداد الكويت ديبلوماسياً وعسكرياً، في 25 حزيران 1961، وتزامن هذا القرار بالضم مع قانون تأميم النفط رقم 80 لسنة 1961، وعنوانه “قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط”، وقد تسبب قرار الضم هذا بتوتر العلاقات بين العراق من جهة، والتحالف الذي تشكل من السعودية ومصر وبريطانيا للدفاع عن الكويت من جهة، وتشكيل حامية من قوات هذه البلدان لدعم الكويت، التي أعلنت استقلالها عن الإدارة البريطانية قبل ستة أيام، وهذا التحرك المنفعل جلب قضية الكويت إلى الأنظار الدولية، لكنها لم تنل أي اعتراف دولي في وقتها، سوى السعودية ومصر وبعض الدول العربية، فضلاً عن بريطانيا التي منحتها الاستقلال.
وقبل الدخول في الحدث الثالث، ينبغي السير خطياً في تطور قضية الحدود العراقية الكويتية، واعتراف العراق بالكويت بما يمهد للحدث الثالث، قامت حكومة البعث الأولى بزعامة رئيس الوزراء أحمد حسن البكر في أيام حكمها الأولى بالتوقيع مع الكويت على معاهدة ترسيم الحدود في 1963، مما منح اعترافاً ضمنياً بالكويت، وكان الاتفاق على خط بيرسي كوكس الأحمر، في مقابل رشوة دفعتها الكويت لتعمير قطاعي الكهرباء والطرق والجسور، ولكن المعاهدة لم تقدم لمجلس الأمة لتعطيله منذ 1958، وبقيت المعاهدة معلقة.
وجاء الحدث الثالث، في عام 1972 في حكومة البعث الثانية، بالتزامن مع إحياء صدام لقانون التأميم، حيث مزق صدام حسين معاهدة 1963، وأرسل القوات العراقية لاحتلال جزيرة الصامدة وغزو الكويت، وتمكن العراقيون من احتلال الجزيرة، بعد معارك دامية وقع فيها ضحايا كثيرون من القوات العراقية وقوات التحالف المدافعة عن الكويت، وكان هذا الخطأ التكتيكي الثالث، بعد خطأ قاسم وخطأ البكر، حيث أدت هذه الأزمة إلى تدويل قضية الكويت، ونجحت بريطانيا بضم الكويت للأمم المتحدة وللجامعة العربية، واستجلاب الاعتراف الدولي لها.
كان الخطأ التكتيكي الرابع لصدام هو القاتل في عام 1990، إذ مع تسارع تداعي الحلف الشرقي وتداعي الاتحاد السوفييتي، شعر صدام بالذعر من ضياع منفذه على الخليج، وقرر فرض سياسة الأمر الواقع، مغتراً بوهم القوة، ومحاولاً فرض نفسه شرطياً لأميركا على الخليج، الطعم الذي لم تبتلعه أمريكا، فسحقته، وفرضت استقلال الكويت، وفرضت عليه الاعتراف بالحدود، وأرسلت فريقاً لترسيمها سنة 1993 بناءً على اتفاق 1963، وخط كوكس الأحمر، ومع ذلك ظل صدام يماطل ولم يرسل قرارات مجلس الأمن، للموافقة عليها في المجلس الوطني، حتى تمت الموافقة عليها في البرلمان في حقبة المالكي، وتم صرف المبالغ لوضع العلامات الحدودية ووضعت زمن العبادي.
وفي زمن المالكي تمت اتفاقية الربط السككي مع إيران حتى قبل إنشاء ميناء الفاو، وهو ربط كان سيكون جزءاً من طريق الحرير، نحو المتوسط، ونحو قلب أوربا من خلال سوريا وتركيا، لكن الشركات الأمريكية التي تعاقدت على تنظيف الجانب العراقي من الألغام تلكأت منذ ذلك الحين، مما أوقف المشروع.
أثار مشروع ميناء الفاو الكبير، مخاوف قوى الهيمنة من جديد، فشرعت بتأسيس ميناء مبارك، والضغط لقتل مشروع الفاو فهو يعيد الآمال بالطريق الجاف منذ قرن وربع، وهو سيربط العالم جغرافياً بعد أن انحصر في الغرفة الافتراضية، ولكن هذا الربط الجغرافي سيكون خارج الهيمنة الأمريكية البريطانية.
ولأن مشروع الميناء والخط الجاف والارتباط يجعل العراق واسطة العقد في مشروع الحزام والطريق الصيني، ولأنه قد يوفر موارد مستدامة هي أضعاف موارد النفط الناضبة، ربما كانت مناورة جيدة من العبادي، وعبد المهدي، أن يرموا بقانون شركة النفط الوطنية كلقمة سائغة لأميركا، في سبيل فك ارتباط الطريق بالنفط، والتخلي عن أدنى الموردين لأميركا والتفرغ لمشروع الحزام والطريق، ولكن هذي المناورة لم تكن دستورية، فعلى كل حال تبقى الثروة النفطية ملكاً حصريّاً للشعب العراقي ولا يجوز التفريط بها، فكان ما كان مما لست أذكره.
وبعد هذا المهاد التاريخي الموجز لاصطراع خطاب الهيمنة القطبية من بريطانيا وأمريكا وعملهم نقيضاً جوهرياً لنهضة الإنسانية حضارياً إلا تحت بند خضوع الدول لهما، ينبغي الالتفات، إلى أن لحظة تفوق الصين عبر انفرادها بإنتاج الجيل الخامس صارت تُقدِّمُها كقوة الهيمنة رقم واحد، مدعومة بنهضة صناعية وإنتاجية ومالية ضخمة، فإذا ما نجحت بربط الحزام والطريق بخط بغداد برلين، فرضت هيمنتها على العالم على طريقة فيلهلم، لا على الطريقة الكولينيالية القديمة، وهنالك ثلاثة مسارات لتعامل أميركا مع هذا الصعود، القبول بالتسليم كما فعلت بريطانيا وفرنسا من قبل معها، وهذا ليس من طبيعة السياسة الأمريكية، أو الصدام كما فعلت بريطانيا وفرنسا مع فيلهلم، أو الدخول بحرب باردة طويلة الأمد كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي.
ماذا بعد؟ أمريكا التي تمرست على مدى ثلاثة عقود في القتال في منطقة العراق والخليج وسوريا، صارت تعد المقدمات لإحدى الحربين الباردة والحارة، فإنشاء ميناء الفاو وربطه بالخط الجاف، سيلغي ضرورة ضم الكويت نسبياً، كما سيلغي الضرورة الجيواقتصادية والجيوسياسية والجيوحضارية للكويت وبلدان الخليج ووجودهن، في الجنوب، وسيلغي أيضا الضرورات نفسها لإسرائيل ووجودها في الوسط، علماً أن معاهدة لوزان آلت للانتهاء.
وربط ميناء الفاو سيؤثِّر على موانئ دول الخليج كلها لا الكويت فحسب، ولهذا فإن هذه الدول تعلم أن ضرورتها من ضرورة إسرائيل، وهذا وحده كافٍ لتشعر بالذعر، ويجعلها تسارع تحت ضغط ترمپ للتطبيع والتحالف مع إسرائيل، في سبيل إحياء موانئها عبر ربطها بالبحر الأبيض من خلال إسرائيل، وبهذا تجعل نفسها طريقاً ثانياً بعد طريق العراق، فطريق العراق أقصر، وأقل كلفة بسبب طبيعته الجغرافية، وبهذا تمنح نفسها وإسرائيل ضرورة جيوستراتيجية بالتكامل مع إسرائيل.
ومع هذا ستحاول الصين تسخير كل مقوماتها عبر ربط العراق بالحزام عن طريق ميناء الفاو أو الكويت، وربط العراق بطريق الحرير عن طريق الشلامجة، وستكون إيران مستفيداً مرتين، مرة بأنها أنهت النفوذ الستراتيجي لدويلات الخليج التي صارت تلعب دور الشرطي، ومرة أنها ستعوض خساراتها في موانئها بسبب الفاو، عبر منفذ الشلامجة، وبالنسبة للعراق، لن يكون تأثير منفذ الشلامجة السككي كبيراً على ميناء الفاو لصالح الموانئ الإيرانية، ذلك أن ما يخسره الفاو، تعوضه دول طريق الحرير من هضبة التبت إلى البصرة عبر الربط السككي، لكن خسارة العراق ستكون دون تعويض إذا تم ربطه مع ميناء مبارك..
ومهما كان الطريق الذي ستتخذه أميركا في معاندة التاريخ، فستكون كلفته عالية، على الجميع، وإذا نجح العراق بإنجاز الميناء والطريق، فعندها عليه الصمود لعقد أو أكثر، لتلقي كل الضربات التي تستهدف تفكيكه، وتدمير وحدته، لاستعادة ضرورة الكويت وإسرائيل، وربما بعد عقد وأكثر من الصمود قد ينجح في فرض وحدته ونموه الاقتصادي، كواسطة عقد الحزام والطريق، بوصفه ضرورة جيوحضارية.
ليس هذا تحيزاً لمشروع ضد مشروع بل هو قراءة لاصطراع الهيمنة لقادة الحضارة، مع مفهوم اكتمال الحضارة نفسه.
Discussion about this post