
تصوير: (أنور عمرو/ وكالة الصحافة الفرنسية/ غيتي إيماجز)
علي الربيعي
ربما يستغرب الكثير من خطاب حسن نصر الله الخجول بعد صمته منذ بداية الحرب بين حماس وإسرائيل، وأعتقد أن خطابه كان في أكثر وقت وموقف محرج جداً له، وذلك لعد عوامل وأسباب، ومنها:
١. انصار الحزب وجمهوره في لبنان وخارجها: والذين ينتظرون منه موقف صارم اتجاه الأحداث في غزة ويعولون على لحظة خروجه من صمته بأفعال قبل الأقوال، وأعلن الدخول للحرب معولين على تاريخ خطاباته الرنانة ووعوده وتصور قوته الفتاكة.
٢. اللبنانيين: الذين يتخوفون من ازلاق لبنان في الحرب في ظل ظرفها الاقتصادي العسير والحرب ستؤدي لانهيار لبنان رسمياً وأعلن حرب اللبنانيين على حزب الله وسيخسر نصر الله ما تبقى من وجود له في لبنان وستشتعل الحرب الداخلية بدل الحرب مع إسرائيل.
٣. المعسكر الغربي وإسرائيل: الذين يعيشون بقلق من سكوت نصر الله وعدم دخول للحرب بشكل علني ولا حتى سري وغير محاولات لاسقاط برج اتصالات بين الحدود اللبنانية والإسرائيلية، مستغربين وحذرين من اي مفاجئة يخبئها لهم حزب الله في اي لحظة.
٤. حماس والفلسطينيين: حماس التي احرجت حزب الله بحرب لم يكن مستعد لها بسبب الظروف المحيطة به، والفلسطينيين والذين ينتظرون صدق ادعاءات محور المقاومة والممانعة وعلى رأسهم حزب الله في تحرير القدس والدفاع عن فلسطين.

بضوء هذه العوامل، كان حسن نصر الله محرج بالخروج أمام الشاشة والجمهور وتبني اي موقف واضح، لذا كونه خطيب بارع ويشد حماس الجمهور استغل نقطة قوته هذه بتحقيق خطاب شبه متزن مراعي للظروف المحيطة به ومحاول ان يرضي عدة أطراف، منها:
١. انصار الحزب وجمهوره في لبنان وخارجها: من خلال اقناعهم بدور الحزب في طقطقاته مع الاسرائليين في الجنوب، ودور الحزب في سحب أكبر عدد من الجيش الاسرائيلي للحدود اللبنانية من الضغط على غزة، ودورهم في ارعاب الغربيين والاسرائليين من اي مفاجئة يقوم بها الحزب.
٢. اللبنانيين: اراد بخطابه تضميد جراح الوجع اللبناني الداخلي والذي يعاني من أزمة اقتصادية كاسرة وكسب وده بعدم الذهاب للحرب من أجل مصالح لبنان، إلا إذا بدأت أمريكا وإسرائيل الحرب سندافع عن لبنان واستغل النقطة لتهديد اسرائيل وأمريكا في حال تجرأت وتجاوزت قواعد الاشتباك وهاجمت لبنان في محاولة منه لإرضاء انصاره الذين تعودوا على خطابه القوي والمرعب.
٣. المعسكر الغربي وإسرائيل: أوصل رسائله بشكلٍ واضح للغربيين والاسرائليين بعدم ذهابه لأي حرب معهم وأن لا يشعروا بأي خطر وليطمأنوا طالما هم لم يهاجموا لبنان، وهذه قواعد اشتباكنا، وفي حال اعتديتم سنرد عليكم وبغير ذلك فلتطمأنوا.
٤. حماس والفلسطينيين والعراقيين والحوثيين وكل المنتظرين للحظة ظهور نصر الله بقوة ليعلن دخول حزب الله خط المواجهة، بل منتظرين أن يعلن حزب الله انه يقود خط المقاومة والممانعة ويدعو كل المقاومين الالتحاق بصفوفه، تلاعب حسن نصر الله بخطابه هنا، واداره كفة الصراع من جانب آخر ولم ينهي أحلام المقاومين بعدم خوض الحرب، بل وجه أصابع الاتهام بانطلاق الحرب وقيادتها لأمريكا وجعلها هي العدو الأول قبل إسرائيل، وذلك لسببين مهمين:
السبب الأول: هو أبعاد الحرب عن حزب الله ولبنان او على الأقل عن قيادة حزب الله للمحور من لبنان بسبب ما تقدم من اسباب وظروف محيطة به، ونقل هذه الحرب للعراق، وقد كرر كثيراً دور أمريكا في قادة الحرب، وقال دورها أكبر من إسرائيل، كما كرر كثيراً دور المقاومة الإسلامية العراقية في ضرب القواعد الأمريكية وقد بارك وثمن هذه العمليات ودعمها بشكل واضح وطالب باستمرارها بغية الضغط على الأمريكان، دون ان يدخل حزب الله بشكل مباشر في الحرب التي ستخسر لبنان قبل أن يخسر غيرها.
السبب الثاني: هو ابقاء انصاره في كل مكان بحماسة المقاومة وعدم شعورهم بخيبة والخذلان وأن الحرب قائمة ومستمر وأن عدونا الأول هو أمريكا الموجودة قواعدها في العراق، حتى لا يقال أن حسن نصر الله خاف من المواجهة وكان محرج ولم يدخل الحرب.
في النهاية، أعتقد أن هذه الحرب ستطول كثيراً وستكون حرب شرسة وحرب كر وفر بين المحورين الغربي والشرقي، وحرب تصفية، المنتصر فيها هو الذي يخطط ويصبر ولا يتعجل بالقرار، كما فعل حسن نصر الله اليوم، وكما تفعل أمريكا التي تحاول ضبط إيقاع الاسرائليين بعدم التسرع بعملياتهم كون الحرب ليست حرب فلسطين وإسرائيل، بل حرب دولية وستدخل عدة دول لها التي من المحتمل المؤكد أنها ستكون حرب عالمية ومع نهايتها تنهي صراع دولي استمر طويلاً بين هذه المحاور وليبدأ بعدها عالمي جديد بسياسة جديدة وقواعد جديدة تختلف تماماً عن سياسة وقواعد اليوم.
Discussion about this post