
ضياء الشكرجي
في بعض دول العالم هناك مصطلحات تطلق على أصحاب المناصب السياسية العليا، وتسمى أحيانا – كما في العراق الديمقراطي الجديد – بالمناصب السيادية العليا. وعلى وجه الخصوص نشهد في الأنظمة الملكية مثل هذه التسميات، فيتقدم لفظ (الملك) عنوان (الجلالة)، فيقال (جلالة الملك) أو (جلالته)، كما ويتقدم لفظ (الأمير) عنوان (السمو)، أما أصحاب المناصب الأخرى في الدولة ابتداءً من رئيس الوزراء، فالوزير، فالسفير، فالنائب، فنجد مصطلحات (الفخامة) و(المعالي) و(السعادة) تتقدم عناوينهم الوظيفية وأسماءهم. بينما الدول الديمقراطية في العالم الحر تخلت عن هذه الألقاب عملا بمبدأ المساواة بين المواطنين، فـ(السيد) تتقدم رئيس الجمهورية، كما تتقدم اسم أفقر وأبسط مواطن. وأبقت من هذه الدول فقط تلك التي ما زالت تقوم فيها ملكية دستورية برلمانية على عنواني (الجلالة) و(السمو) للملوك والأمراء، وسيأتي يوم تلغى إما هذه الألقاب، أو تتحول الملكيات إلى نظم جمهورية. أما بالنسبة للدول العربية، فمنذ بداية عهد الانقلابات العسكرية وقيام الجمهوريات العسكرية بدلا من الأنظمة الملكية، كما في مصر واليمن وليبيا، وهكذا كان الأمر في العراق بعد إسقاط الملكية في تموز 1958، فقد حل عنوان موحد يسري لأصحاب جميع المناصب العليا في الدولية، ألا هو (السيادة) بدلا من (الجلالة) و(السمو) و(الفخامة) و(الدولة) و(المعالي) و(السعادة). ثم ألغي حتى مصطلح (السيادة) ليحل محله عنوان (السيد) متقدما العنوان الوظيفي، سواء كان (رئيس الجمهورية) أو (رئيس الوزراء) أو (رئيس البرلمان) أو (الوزير) أو (السفير) أو (النائب)، فيقال (السيد الرئيس، السيد الوزير، السيد السفير، السيد النائب …) . ولكن التاسع من نيسان 2003 أرجعنا إلى الوراء، فعادت مصطلحات العهد الملكي والعهود الجمهورية القديمة والمحافظة، ففُخِّمَ رئيس الجمهورية ليكون (فخامة رئيس الجمهورية)، ودُوِّل رئيس الوزراء ليكون (دولة رئيس الوزراء)، وعُلِّيَ الوزير ليكون (معالي الوزير). وهذا عليه مجموعة ملاحظات:
1.لم يشرع قانون للعودة إلى هذه التسميات.
2.العودة تمثل خطوة تراجعية، لأننا نعلم إن الأنظمة التقدمية والديمقراطية الحديثة قد تخلت عن مثل هذه الألقاب.
3.يمثل ذلك مخالفة لروح الدستور، حيث أن المادة (14) من الدستور تنص: «العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.». صحيح إن المادة تتكلم عن المساواة أمام القانون حصرا، إلا أن المساواة بين المواطنين على أساس مبدأ المواطنة من بديهيات النظام الديمقراطي الحديث، ومن هنا يكون هذا من قبيل التمايز والتفاضل المتعارض مع مبدأ المساواة.
من هنا يجب إلغاء جميع هذه الألقاب والاقتصار على عنوان (السيد) للرجل و(السيدة) للمرأة، سواء كانت غير متزوجة أو متزوجة، لأن تمييز تسمية المرأة المتزوجة عن غير المتميزة، بتسمية الأخيرة بـ(الآنسة) بدلا من (السيدة)، دون تمييز الرجل المتزوج عن غير المتزوج يشتمل على تمييزين، الأول تمييز بين الرجل والمرأة، والثاني تمييز بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة. لهذا السبب ألغت معظم المجتمعات الحديثة مصطلح (الآنسة) من استعمالاتها اللغوية. ثم لا يكفي إلغاء (الفخامة)، و(الدولة)، وما سواهما، بل يجب إلغاء العناوين التي تطلق على رجال الدين عندما يتبوأون لمنصب أو وظيفة سياسية، فلا معنى عندها لعناوين (السماحة) و(الفضيلة)، كما يجب إلغاء عنوان (الشيخ)، سواء كان عنوانا دينيا أو عشائريا.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا، هو استخدام التذكير للمناصب السياسية، إذا تبوأتها امرأة، فيقال «قالت الوزير فلانة»، و«صرحت النائب فلانة»، و«زارت وكيل الوزير فلانة»، بدلا من قولنا «الوزيرة»، «النائبة»، «الوكيلة»، «الرئيسة» وغيرها. هذا العرف السياسي الذي اتبعته سابقا بعض الدول ذات اللغات المشتملة على التذكير والتأنيث كالألمانية، فهناك يقال «المستشارة آن?يلا ميركل» فهي (Kanzlerin) (كانْتْسْلَرِن)، وليست (Kanzler) (كانْتْسْلَر) بمعنى «المستشار»، و«الوزيرة» (Ministerin) (مِنِسْتَرِن)، وليس (Minister) (مِنِسْتَر) بمعنى «وزير»، و«النائبة» (Abgeordnete) (آبْ?ِئورْدْنَتَه)، وليس (Abgeordneter) (آبْ?ِئورْدْنَتَر) بمعنى «نائب»، وتعريفه (der Abgeordnete) (دير آب?أوردنته)، وهكذا. نعم يبدو إن هذا العرف متأثر باللغة الفرنسية، الذي اقتبسته الدول العربية ذات الثقافة الفرنسية مثل لبنان ودول المغرب العربي، فتأثرت دول أخرى بذلك مثلما يفعل الكثير من السياسيين العراقيين، متوهمين أن من البديهيات تذكير المنصب الرسمي حتى لو تسنمته امرأة، لأن فرنسا تفعل ذلك، رغم وجود التذكير والتأنيث في الفرنسية خلاف الإنگليزية. وهذا من غير شك من رواسب الثقافة الذكورية التي كانت سائدة في أورپا في القرون الماضية، بل وحتى في النصف الأول من القرن الماضي، بالرغم من أن فرنسا مؤسسة العلمانية الحديثة، إلا أن الفرنسيين لم يلتفتوا إلى هذه الازدواجية في عناوينهم السياسية. في ألمانيا مثلا كان التاجر يسمى «Kaufmann» (كاوْفْمان)، وترجمته الحرفية (رجل البيع) أو لنقل (رجل التجارة)، عندما كانت هذه المهنة تكاد تكون حكرا على الرجال، وعندما كانت امرأة تمارس التجارة كحالة نادرة كانوا يسمونها «Kaufm?nnin» (كاوْفْمينِن) أي (رجلة التجارة)، لكنها اليوم تسمى «Kauffrau»، (كاوْفْفْراو) أي (امرأة التجارة)، وليس (رجلة التجارة). وقد ألغي مصطلح «Kaufm?nnin» من القاموس، بحيث أشر المصحح الإملائي عندي الكلمة على أنها مكتوبة خطأ، بينما كانت هذه من المفردات التي تعلمناها عند أول دورة لتعلم اللغة الألمانية في معهد ?ـَـِـُوته (Goethe Institut) في مدينة (Lüneburg) في خريف 1963. وكتابتي لكلمة (?ـَـِـُوته) بهذه الطريقة، هو أن الـ (?) هو الحرف البديل لـ (g) الذي يكون لفظه كالجيم المصرية أو الكاف المجهورة، أما وضع ثلاث حركات على حرف الـ (?) وهي الفتحة والضمة والكسرة، فلأن الـ (oe) أو (?) هو عبارة عن صوت مزيج من ثلاثة أصوات هي الـ (u) الذي يقابل (الضمة)، والـ (a) الذي يقابل الفتحة، واللذين بمزجهما يكوّنان صوت الـ (o)، والصوت الثالث من هذا المزيج الثلاثي هو الـ (i) الذي يقابل الكسرة، أو يمكن القول إن الـ (?) هو مزيج بين الـ (o) والـ (e) أو الـ (?)، وهو الأقرب.
عام 2005 قدمت مشروع قانون للجمعية الوطنية آنذاك، لم يصل الدور إليه، بسبب وجود قوانين ذات أولوية، وبسبب انهماكنا في عمل اللجنة الدستورية، التي أخرجت هذا الدستور الذي بين أيدينا، والذي له ما له وعليه ما عليه، والذي صودر فيه الكثير من عمل لجنة كتابة الدستور ولجانها الفرعية عندما (صعد) الدستور إلى ما سمي في حينها بـ (المطبخ السياسي).
قدمت في حينه مشروع قانون بسام (مشروع قانون ألقاب مواقع المسؤولية في الدولة)، بالنص أدناه، والإضافات بين قوسين منكسرين [إضافة]، مع لحاظ أني كنت في حينها من حيث الانتماء السياسي إسلاميا، ومن حيث الفكر السياسي إسلاميا/ديمقراطيا، مما قد يظهر في بعض المفردات:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أقدم مشروع قانون ألقاب مواقع المسؤولية في الدولة آملاً إقرار الجمعية الوطنية له، بعد مناقشته وتعديله.
عضو الجمعية الوطنية الانتقالية
ضياء الشكرجي
22 نيسان 2005
مشروع قانون ألقاب مواقع المسؤولية في الدولة
مقدمة:
هناك ألقاب متعارف عليها في الخطابات الپروتوكولية الرسمية الشفوية والكتبية تستخدم عند ذكر أو مخاطبة المسؤولين الكبار للدولة، من قبيل “الفخامة”، “الدولة”، “السعادة”، [“المعالي”،] بقول (فخامته، صاحب الفخامة، فخامة الرئيس، دولته، دولة الرئيس، سعادته، سعادة الوزير، [أو سعادة السفير، ومعالي الوزير] …) وما يشبهها، والتي هي من استخدامات النصف الأول من القرن السابق، وإن كانت ما زالت تستخدم في قليل من الدول وبشكل محدود جدا؛ وبالتحديد تلك التي يحكمها نظام ملكي، مضافا فيها إلى ما مر من ألقاب لقبا “الجلالة” و”السمو” للملوك والأمراء. ومع موجة التحول من الأنظمة الملكية إلى الأنظمة الجمهورية، ساد في المنطقة عرف إلغاء تلك الألقاب واستبدالها بلقب “السيادة” بقول (سيادته، صاحب السيادة، سيادة الرئيس، سيادة الوزير …). ثم جرى في مرحلة لاحقة الإعراض حتى عن لقب “السيادة”، والاكتفاء بلقب “السيد”، فيقال السيد الرئيس، السيد الوزير، ولا يقال سيادة الرئيس أو الوزير، ناهيك عن استخدام صاحب الفخامة، دولة الرئيس، سعادة الوزير، أو سعادته وأصحاب السعادة أو حتى أصحاب السيادة. والسائد الآن في معظم دول العالم المتحضرة – باستثناء ذات النظم الملكية منها – هو الاكتفاء بلقب “السيد”، و”السيدة”، و”السيدات”، و”السادة”. وأصبح حتى لقب “السيدة” لا يعبر عن تمييز المتزوجة عن غير المتزوجة التي كانت تخاطب بـ “الآنسة”، بل أصبح لقب “السيدة” عرفا يعبر عن احترام [المرأة] المخاطَبة الرشيدة، سواء كانت متزوجة أو عازبة، ولقب “السيد” و”السادة” أصبح يستخدم للمسؤول وللمواطن العادي على حد سواء، وهذا ما ينسجم مع قاعدة المساواة، سواءً كان يمثل مبدأً من مبادئ الإسلام وعموم الأديان، أو مبدأً من مبادئ وأسس الدولة الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يقر بمساواة المواطنين في الحقوق ومساواتهم أمام القانون.
بعد سقوط الديكتاتورية الصدامية البغيضة وبتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، ومن ثم الحكومة الموقتة، تمت العودة إلى تلك الألقاب، فأخذنا نسمع من جديد لقب [“الفخامة”، و] “الدولة”، و”السعادة”، وغيرهما. من هنا وتحقيقا لمبدأ المساواة، والتزاما بالعرف العالمي المعاصر للدول الديمقراطية الحديثة، يقدم هنا مشروع قانون ألقاب مواقع المسؤولية في الدولة.
مشروع قانون ألقاب مواقع المسؤولية في الدولة
المادة الأولى:
تلغى من الخطابات الپروتوكولية الرسمية الشفوية والكتبية كل الألقاب التي تستخدم عند ذكر أو مخاطبة المسؤولين الكبار للدولة، من قبيل “فخامة”، “دولة”، [“معالي”]، “سعادة”، وما يشبهها.
المادة الثانية:
تجري مخاطبة جميع المسؤولين، كما جميع المواطنين، من غير تمييز في الموقع الرسمي أو غير الرسمي بخطاب موحد، ألا هو (السيد) أو (السيدة)، وذلك في الخطابات والمحافل الرسمية. ويشمل خطاب “السيدة” المسؤولة المتزوجة وغير المتزوجة على حد سواء.
المادة الثالثة:
يستثنى جواز الاستخدام للألقاب المذكورة في التعامل الديپلوماسي مع الدول التي ما زال هذا الاستخدام يمثل جزءً من تقاليد وأعراف تلك الدول. [أقصد هنا مخاطبة مسؤولي تلك الدول.]المادة الرابعة:
يقتصر منع هذا الاستخدام على الخطابات الرسمية، لتعارض تعميم الالتزام بذلك مع الحريات الممنوحة في النظام الديمقراطي، لا سيما حرية التعبير عن الرأي، والتي تشمل حرية استخدام الألقاب المعبرة عن الاحترام التي لا تتعارض مع دستور وقوانين الدولة، أو مع القيم الثابتة للمجتمع.
المادة الخامسة:
يمكن استخدام لفظة “سيادته” أو “سيادتها” في حال الاستغناء عن ذكر كل من الاسم والموقع، كأن يقال “قال سيادته”، ولا يستخدم لفظ “سيادة” بدون الضمير المتصل، كـ “سيادة الرئيس” أو “سيادة الوزير”، بل يقتصر على استخدام “السيد الوزير”، و”السيد الرئيس”، أو”السيدة الوزيرة”، و”السيدة الرئيسة”. [أرى الآن وجوب تجنب حتى لفظ “سيادته” أو “سيادتها” على النحو المذكور، ذلك تأكيدا لمبدأ المساواة، لأنه عندما يستخدم ذلك بشكل خاص لأصحاب المناصب العليا، ولا يستخدم للمواطن العادي، فهو نوع من التمييز والتكريس للطبيقة، مما يتنافى مع مبدأ المساواة في المواطنة.]المادة السادسة:
بالنسبة للسيدات المسؤولات في الدولة من النساء، فيستخدم اسم الموقع الذي تتبوأه المسؤولة بصيغة المؤنث، فيقال “السيدة الوزيرة”، و”السيدة الرئيسة” أو “السيدة النائبة”، ولا تستخدم صيغة المذكر كما هو متعارف في بعض الدول العربية. [كـ “السيدة الوزير”، و”السيدة الرئيس” أو “السيدة النائب”.]المادة السابعة:
تذكر مناصب المسؤولية في الدولة مجردة من إضافة “السيد”، “السيدة”، “السادة”، و”السيدات” في النصوص الدستورية والقانونية. [وكذلك في الأخبار، فيقال في الخبر مثلا “صرح رئيس الوزراء”.]المادة الثامنة:
يجري تعميم هذا القانون على جميع مؤسسات الدولة وأجهزة الإعلام والثقافة الرسمية، وينشر القانون في الجريدة الرسمية وفي الصحف المحلية.
Discussion about this post