
محمد الكاظم
العراق الآن على حبل توازن دقيق، وأي خطأ يُرتكب الآن في الحسابات الاستراتيجية قد يكلفنا كثيراً فيبدو ان المنطقة دخلت في مرحلة دقيقة تحتاج الى الكثير من الحنكة السياسية لاستيعاب تداعياتها التي ستنعكس على العراق بشكل أو بآخر، تأملوا هذه الحقائق:
الرئيس الأمريكي جو بايدن يزور المنطقة وهو يحمل مشروعاً لتحالف للدفاع المشترك يضم إسرائيل وبعض الدول العربية من اجل إنشاء ما يشبه (الناتو الشرقأوسطي)، ويهدف الأميركيون من وراء ذلك التحالف الى مواجهة إيران او الضغط عليها، وقد سبقت هذه الزيارة اجتماعات تحضيرية لرسم معالم هذا التحالف، ومن المفترض ان تشهد العاصمة السعودية الرياض قمة تضم الرئيس بايدن مع قادة دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق.
مثل هذه الأنباء لم تمر مرور الكرام على الضفة الثانية من الخليج فقد أعلنت الخارجية الإيرانية ان ان خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لعقد اتفاق دفاع مشترك مع دول عربية يعد (استفزازاً) سيؤدي الى (زيادة التوتر في المنطقة)، ثم انتقل التحدي الى مستوى اعلى حيث أعلنت أوساط إيرانية وروسية وتركية ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور طهران خلال أيام ويلتقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في رد واضح على زيارة بايدن للمنطقة، ومن الواضح ان موسكو تريد القول انها تقف في صف طهران، وأنها ضد المساعي الأمريكية لإقامة تحالف شرقأوسطي.
عند نظرنا الى زيارتيّ بايدن وبوتين يجب ان نضع في حساباتنا ان روسيا وأمريكا تتحاربان (ضمنياً) في أوكرانيا، فروسيا تقاتل بجيشها وأمريكا تقاتل بالجيش الأوكراني والناتو لذلك يصبح لهاتين الزيارتين أهميتهما الكبرى على مستقبل المنطقة والعراق تحديداً، فماذا لو قررت تلك الأفيال الدولية مثلاً ان تجرب قوتها حول ضفتيّ الخليج؟ وماذا لو اصطدم هذان المحوران وقررا ان يخوضا حرباً بالإنابة او حرباً ضمنية أخرى فأين سيكون اصطدامهما؟ وهل سيكون العراق هو خط التماس بين المعسكرين؟
هنا يتبادر الى الذهن سؤال حساس يجب طرحه بصراحة ومسؤولية: هل من مصلحة العراق ان يشارك في قمة الرياض اذا كانت ستفضي الى طرح مشروع الناتو الشرقأوسطي بالتركيبة التي يتحدث عنها الاعلام؟
وهل من مصلحة بغداد ان تكون طرفاً في نزاع دولي بين قوى كبرى بعد ان حافظت طوال سنوات على سياسة النأي بالنفس عن سياسة المحاور؟ وكيف سيتعامل البرلمان العراقي الذي صوت مؤخراً على قانون تجريم التطبيع مع مشاركة العراق في قمة الرياض إذا ما انطوت على إجراءات تطبيعية مثلاً؟
حضور قمة الرياض قد تمثل للسيد مصطفى الكاظمي فرصة لتدعيم موقف الحكومة الحالية وتدعيم موقفه السياسي، لكن مشاركة العراق في مثل هذه القمة قد تجعله امام تعهدات لا يستطيع الإيفاء بها داخلياً وخارجياً في ظل الوضع الخاص المعقد للعراق، وهذا ما يتطلب الكثير من الحذر في التعامل مع هذا الملف الحساس، او النأي بالنفس عنه.
في هذا الأسبوع المشبع بالأحداث يتهيأ الصدريون ايضاً للخروج في تظاهرة مليونية على شكل صلاة موحدة إحياءً لذكرى إقامة أول صلاة جمعة أقامها الشهيد الثاني السيد محمد الصدر رحمه الله، البعض يرى في تلك (الصلاة/التظاهرة) محاولة لاستعراض القوة بعد انسحاب نواب الكتلة الصدرية من البرلمان، لكن يبدو لي ان تلك التظاهرة ستحفل بأكثر من ذلك وستركز على رفض مساعي التطبيع التي بدأ يطرق الأبواب، فعلينا ان لا ننسى ان نواب الكتلة الصدرية كانوا من أشد المتحمسين لإصدار قانون تجريم التطبيع، ووصل الأمر الى مهاجمة السيد مقتدى الصدر لرئيس الجمهورية بسبب التأخر في التصديق على القانون، أظن ان في رأس الصدر اكثر من تشكيل الحكومة، وأظن ان تزامن توقيت الصلاة الموحدة مع زيارة بايدن للمنطقة ليس صدفة، وقد تكون (الصلاة/التظاهرة) استعادة لتسعينيات القرن الماضي واستعادة لوهج شعار محمد الصدر: كلا كلا إسرائيل. كلا كلا للشيطان
Discussion about this post